استراتيجيات وتوصيات من شمال وشرق سوريا
بقلم: ريناس سينو، المؤسس والرئيس التنفيذي تفن
ملخص تنفيذي
من خلال هذه الورقة تناولنا كيفية تعزيز مشاركة الشباب في سوق العمل في شمال وشرق سوريا، وتم تقديم نظرة عامة على التحديات والفرص المتاحة لهم، مع تركيز خاص على أهمية دمج الشباب في الاقتصاد من خلال التعليم، التدريب المهني، وريادة الأعمال، وبحثنا في دور الحكومة المحلية ومنظمات المجتمع المدني في دعم الشباب، من خلال تطوير السياسات، بناء القدرات، تعزيز ريادة الأعمال، وتوفير فرص التوظيف والتدريب.
وتناولنا دور المانحين والمنظمات المحلية والدولية وناقشنا في الجلسات الفردية والاجتماعات الحوارية كيف يمكن لهذه الجهات المساهمة في دمج الشباب اقتصادياً، بما في ذلك توفير التمويل، تقديم الدعم الفني والتقني، والتركيز على الاستدامة، وتم تحليل بيانات حول تعداد السكان في سوريا ومعدلات البطالة، مع التركيز على الفروق في معدلات البطالة وتأثيرها على تشكيل السياسات الاقتصادية. كما سلطنا الضوء على أهمية الشباب في الابتكار، ريادة الأعمال، وتطوير القوى العاملة،
إلى جانب دورهم في تحقيق التغيير الثقافي والاجتماعي وتأثيرهم على ديناميكيات سوق العمل.
هذه الورقة هي خلاصة شاملة للنقاشات المتعددة التي قامت تفن بإجرائها مع مجموعة من الشباب من خلال اللقاءات الفردية والاجتماعات الفردية، حول دور الشباب في الاقتصاد، والآليات التي يمكن من خلالها دعمهم في بيئات مختلفة مثل شمال وشرق سوريا، مع التركيز على الجوانب السياسية، التنموية، والاجتماعية.
المنهجية
تتبع هذه الورقة منهجاً تحليلياً لسوق العمل والسياسات الاقتصادية والتحولات الديمغرافية وللعادات والقوانين المؤثرة على انخراط الشباب في سوق العمل، بالاعتماد على البيانات الوصفية التي تم الحصول عليها من خلال جلسة حوار جماعية عقدت عبر الانترنت بمشاركة 14 مشارك\ة، والمقابلات الفردية التي أجراها الباحث مع 20 مشارك\ة، من مناطق وخلفيات ثقافية مختلفة ومن قطاعات مهنية مختلفة موزعة بين الناشطات المدنيات وفي القطاع الخاص، إضافة إلى ربات منزل.
المشهد الاقتصادي الحالي
اقتربت الأزمة السورية من عامها الثالث عشر، وخلال هذه السنوات تدهور الوضع الاقتصادي نتيجة لغياب الاستقرار والأمن وتدمير البنية التحتية والمعامل والمصانع وتراجع مساهمة الزراعة في الناتج المحلي. الأزمة الاقتصادية الخانقة رافقتها البطالة وقلة الوظائف، وتهاوي الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، كل ذلك أدى إلى تراجع دخل الفرد للسورين\السوريات، وخاصة العاملين في مؤسسات الحكومة السورية، ونفس الحال بالنسبة للعاملين في مؤسسات الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا رغم أن معدل رواتبها أعلى من رواتب الحكومة السورية.
فيما يتعلق بالتجارة، تشير التقارير إلى أنها أصبحت في يد فئات محددة، مما أثر سلباً على التوزيع العادل للثروة وزاد من حدة التفاوت الاقتصادي. تلك الفئات القليلة التي استفادت من التجارة في زمن الحرب زادت من نفوذها وسطوتها على الاقتصاد بشكل كبير، وتأثرت أسعار السلع والخدمات بشكل ملحوظ، ترافق ذلك مع انخفاض مستوى القدرة الشرائية للمواطنين مما أثر بشكل كبير على قدرة الفرد على تحمل تكاليف المعيشة اليومية.
يقول أحد ممن تم إجراء مقابلة معهم "إن الحالة الاقتصادية سيئة لعدم وجود رواتب أو دخل كاف للأسرة لتأمين الحاجات الأساسية لهم، على سبيل المثال هناك عائلات لم تأكل اللحم لأشهر عديدة وهناك عائلات لا تستطيع تأمين اللباس لأطفالهم لغلاء الأسعار".
ويقول البنك الدولي في تقرير بعنوان "زلزال سوريا 2023: تقييم سريع للأضرار والاحتياجات" إنه من المتوقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 3.2 بالمائة في العام 2023، بعد انخفاضه بنسبة 3.5 بالمائة في العام 2022. من المتوقع أن يؤدي النزاع وارتفاع تكاليف المدخلات وشح المياه إلى الحد من إنتاج المحاصيل. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي نقص الوقود إلى إضعاف التصنيع وتعطيل النقل والخدمات. كما يُتوقع أن ينخفض معدل التضخم، لكنه سيظل مرتفعاً في عام 2023، بسبب التقلبات في أسعار الصرف واستمرار نقص الغذاء والوقود والمزيد من تقليص الدعم. وتبقى المخاطر على توقعات النمو كبيرة وتميل إلى الاتجاه سلباً. ويمكن أن تؤثر الصدمات المناخية المتكررة بشدة على المحاصيل وسبل العيش الزراعية. كما يمكن أن يؤدي استمرار الحرب على أوكرانيا لفترة طويلة إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مما يؤثر سلباً على وضع سوريا كبلد مستورد للغذاء والطاقة. وقد يؤدي نقص المرافق الصحية إلى تفاقم أثر الانتشار السريع للأمراض المعدية".
تأثر الشباب بشكل ملحوظ بالتدهور الاقتصادي الذي شهدته سوريا، مما أدى إلى ارتفاع كبير في معدلات البطالة بينهم. أمام هذا الواقع القاسي، وجد الشباب أنفسهم مضطرين للاختيار بين خيارات صعبة ومحدودة: الانضمام للمجموعات المسلحة والعمل كمقاتلين، أو البحث عن فرص حياة أفضل بالهجرة إلى الخارج. هذا الوضع جاء نتيجة لعدم وجود فرص عمل تتيح لهم العيش الكريم وتطوير قدراتهم.
وتحولت أروقة الجامعات التي كانت تعج بالأحلام والطموحات إلى مرتع للتشكيك في قيمة التعليم، حيث يجد الخريجون أنفسهم في سوق عمل لا يتسع لطموحاتهم. فالمهندس يمسك بمفكرة الحسابات بدلاً من الريشة الهندسية، وخبير الحاسوب يجد نفسه ينظم رفوف الملابس بدلاً من برمجة الأكواد. هذا التناقض بين التخصص ومجال العمل يكشف عن مفارقة عميقة في هيكل الاقتصاد وسوق العمل.
هذا الوضع يبرز الحاجة الماسة لاستراتيجيات اقتصادية وتعليمية جديدة تركز على توفير فرص عمل ملائمة ومستدامة للشباب، بما يتناسب مع مهاراتهم وتعليمهم. من الضروري أيضاً تطوير برامج لتدريب وتأهيل الشباب بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل المتغيرة، لضمان قدرتهم على المساهمة بفعالية في إعادة بناء وتنمية مجتمعاتهم.
يقول أحد المشاركين في الاجتماعات: "يعاني الاقتصاد من فترة ركود نتيجة زيادة العرض على الطلب، ويُعزى اقتصاد الحرب، والذي أدى إلى تزايد في عدد النازحين في مناطق مختلفة، نتيجةً لتضرر مناطقهم الأصلية. وهذا أدى إلى انخفاض الأجور في بعض القطاعات، مما أثر بشكل رئيسي على فئة العاملين".
النظرة الديموغرافية
حسب آخر مسح جغرافي للبلاد، قدر المكتب المركزي للإحصاء عدد سكان سوريا في 1 كانون الأول 2023 بنحو 28.5 مليون نسمة، أما موقع populationpyramid فقد قدر عدد سكان سوريا ب 23,227,013 نسمة، وشكلت الفئة العمرية من 15 إلى 24 سنة 24.1% من السكان. هذه الإحصائية شملت 5.5 مليون نازح داخلياً و6.5 مليون لاجئ
وفق آخر إحصاء لـ UNHCR في 2023.أما الأمم المتحدة فقد قدرت عدد سكان سوريا في العام 2021 بـ 18 276
مليون نسمة وذلك حسب موقع undata. هناك فارق واضح بين تقديرات عدد السكان في سوريا، وهذا الاختلاف يمكن
أن يعكس تحديات في جمع البيانات أو تقديرات مختلفة بناءً على معايير متنوعة.وهذا يشكل تحدياً كبيراً يواجه عملية
التخطيط. تعيش البلاد حالياً في ظروف اقتصادية صعبة جداً نتيجة قلة الفرص الوظيفية وضيق الموارد المالية.
يتسارع هذا التدهور الاقتصادي مع تزايد تكلفة المعيشة وانخفاض قيمة العملة الوطنية.يُشكل التضخم في سوق العمل وارتفاع الأسعار تحديات إضافية، مما يؤدي إلى تراجع حاد في القوة الشرائية للمواطنينويلاحظ أن الفئات العمرية من 15 إلى 24 سنة تشكل نسبة مهمة وفقpopulationpyramid،وهي تمثل جزءاً كبيراً من القوى العاملة المستقبلية ولها تأثير كبير على السياسات الاقتصادية والتعليمية.
ومع وجود قرابة نصف الفئات العمرية من النساء، يبرز تحدي تعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل وضمان الفرص المتساوية لهن في التعليم والتوظيف، كما أن وجود 6.5 مليون لاجئ و5.5 مليون نازح داخلياً يعكس التحديات الإنسانية والاقتصادية الكبيرة التي تواجه البلاد.يتطلب هذا اهتماماً خاصاً بدمج اللاجئين والنازحين داخلياً في سوق العمل وضمان حصولهم على فرص تعليمية وتدريبية.
التحديات التي يواجهها الشباب
وفقاً لمكتب الإحصاء المركزي في سوريا بلغت نسبة البطالة في عام 2011 بين الشباب 10.4%، وبين النساء 37.1%، في حين كانت النسبة الإجمالية للبطالة 14.9%، ونظراً لغياب إحصائيات دقيقة، تشير توقعات العاملين في الشأن العام إلى أن نسبة البطالة في سوريا تختلف من منطقة إلى أخرى؛ إذ تجاوزت نسبة البطالة في الشمال الغربي 80%، بينما في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية تجاوزت 50%. أما في مناطق الإدارة ذاتية، فقد تجاوزت نسبة البطالة 20%."
وجاء في آخر تقرير لليونيسف في سورية بعنوان "الموازنة العامة للدولة في الجمهورية العربية السورية للعام 2023 “: "تعتبر البطالة من أبرز التحديات، وخاصة بين الإناث. تسبب الانهيار الاقتصادي بتفشي البطالة، ولاحقاً للارتفاع الحاد للبطالة بين عامي 2010 و2015 بدأت نسب البطالة تنخفض في العام 2016، ولكنها لم تعد بعد إلى مستويات ما قبل الأزمة. وفي الفترة بين عامي 2019 و2020 كان معدل البطالة بين القوى العاملة النسائية في المتوسط أعلى بنحو أربعة أضعاف منها بين الذكور. وقد ضاقت هذه الفجوة قليلاً بين عامي2020 و2021 وارتفع معدل البطالة بين الذكور بمقدار 3.2 نقطة مئوية، بينما انخفض معدل البطالة بين الإناث بمقدار 6.1 نقطة مئوية. وبشكل عام، استقر معدل البطالة عند 20 بالمائة في2021-2020 وهو أدنى مستوى منذ العام 2013".
جميع المؤشرات والتقارير والمقابلات تشير إلى أن نسبة البطالة بين الفئة العمرية 15-24 سنة مرتفعة جداً في شمال وشرق سوريا وهذا عائد إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ويبرز في مقدمة هذه التحديات الآثار السلبية الأخرى للنزاع، من تدمير البنية التحتية، وفقدان الأرواح، مما يخلق صدمة اجتماعية ونفسية تؤثر على الاستقرار العام، بالإضافة إلى ذلك، في النزاعات المسلحة تتجه ميزانية الدولة نحو التخصيصات العسكرية بشكل أكبر من الاستثمار في القطاعات الخدمية وتتجه الحكومات إلى تجنيد الشباب بدل توفير فرص عمل لهم، كما أدى النزاع إلى صعوبة التنقل بين المناطق المختلفة وبالتالي ساهمت في الحد من فرص العمل للشباب في مناطق أخرى، مثلاً في أثناء مواسم الحصاد ينتقل الشباب مع عائلاتهم إلى محافظات أخرى للعمل في البساتين والأراضي وهذا تأثر بعد النزاع، كما تراجعت مساهمة القطاع الصناعي والقطاع الخاص في توفير فرص عمل للشباب بسبب إغلاق الكثير من المصانع وهجرة الكثير من رؤوس الأموال إلى الخارج.
أما التعليم فهو من التحديات الرئيسية التي تواجه الشباب في سوق العمل. ورغم أن نسبة المتعلمين (القراءة والكتابة) من مجموع السكان الذين تزيد أعمارهم عن 15 سنة في سوريا بلغت 79.6 % إلا أن المقابلات التي تم إجراؤها أظهرت أن العقبة الرئيسية أمام الشباب للانخراط في سوق العمل تتجلى في التعليم وخاصة التعليم المهني، كما أن غياب استراتيجيات اقتصادية تربط بين التعليم والتنمية تؤدي إلى عدم التوازن بين احتياجات السوق والتخصصات الدراسية. مثلاً، يلاحظ ازدياد الحاجة إلى الأطباء والحاجة إلى خريجي الدراسات العليا لسد نقص غياب أستاذة الجامعات، وفي نفس الوقت لا يوجد خطط واضحة لسد الحاجة.
وفي ظل غياب التعليم والتدريب المهني، فإن مسيرة التعليم تعتبر طويلة بالنسبة للفئات الشابة في ظل الصعوبات الاقتصادية وغياب فرص العمل المؤقتة أو الجزئية لتوفير تكاليف الدراسة، لذا فالكثير من الشباب لا يستطيع متابعة تعليمهم\ن، وإذا ما استطاعوا إنهاء تعليمهم\ن الجامعي يفكر بالهجرة لعدم توفر فرص العمل وتدني الأجور، بالإضافة إلى التجنيد الإلزامي للفئة الشابة التي تطول مدتها في زمن الحرب إلى عدة سنين. الهجرة وتراجع مستوى التعليم وتغير أنماط المهارات المطلوبة للعمل أدت إلى فقدان للموارد البشرية الشابة التي تحتاجها عملية التنمية.
"أثرت النزاعات على قلة فرص العمل التي قلما تتواجد، وفي حال وجودها تكون بساعات طويلة وأجور قليلة مما أدى إلى تفكير أكثر الشباب للهجرة خارج البلد للبحث عن معيشة أفضل".
وأخيراً، تعتبر العوامل الاجتماعية معيقة للشباب وخاصة للنساء حيث أظهرت المقابلات التي تم إجراؤها أنه مازال هناك سلوكاً غير مرحب به في بعض المجتمعات للمرأة العاملة، وخاصة في مخيمات النزوح، وبعض المناطق ذات البعد العشائري، أما الشباب الذكور فخياراته محدود إما التجنيد العسكري أو الهجرة، ونتيجة للمنافسة في سوق العمل أصبحت الحاجة إلى خبرات كبيرة عاملاً معيقاً للفئات الشابة وهو ما يعكس غياب سياسة محددة لفئات الشباب كساعات العمل الجزئية أو متطلبات وشروط توظيف مناسبة لهم بالإضافة إلى سياسات تساعد النساء المتزوجات ممن لديهن أطفال.
دور الشباب في التنمية الاقتصادية
بشكل عام، تعد الطاقة والإبداع ووجهات النظر الفريدة للشباب أصولاً لا غنى عنها في دفع عجلة النمو الاقتصادي والتطور. يمكن أن يكون تفاعلهم وتمكينهم له تأثير عميق ودائم على المسار الاقتصادي للمجتمعات. إذ يكون الشباب في طليعة التقدم التكنولوجي والابتكار. يميلون إلى تبني وتطوير تكنولوجيات جديدة، ما قد يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وخلق صناعات جديدة، ولكن البنية التحتية ومستوى التعليم التكنولوجي لا يرتقي في شمال وشرق سوريا إلى تحويلها إلى صناعات جديدة.
أما فيما يتعلق بريادة الأعمال، كان هناك ميل ضعيف لاتخاذ المخاطر لبدء أعمال تجارية جديدةـ بسبب غياب الاستقرار الأمني والسياسي، العنصران الرئيسيان للاقتصادات المستقرة، وبالتالي لم تساهم هذه المشاريع الريادية في خلق فرص عمل وتحفيز النمو الاقتصادي ولم تقدم حلول جديدة لاحتياجات سوق العمل بشكل كبير.
في الحالات العادية، يسعي الشباب للحصول على التعليم والتدريب، يساهمون في تطوير رأس المال البشري، ولكن هذا الواقع اختلف كثيراً بعد 12 عاماً من الصراع في سوريا. فحسب موقع population pyramid، بلغت نسبة الشباب 24.1% وهي نسبة لا يمكن الادعاء بوجود قوة عمل شابة، ويعود ذلك إلى الصراع المسلح بالإضافة إلى ميل الشباب إلى الهجرة بسبب غياب الفرص الاقتصادية. كما يعد العمال الشباب حاسمين في تشكيل ديناميكيات سوق العمل. يشغلون غالباً المناصب المبتدئة، يقدمون الخدمات في القطاعات الناشئة، ويساهمون في تنوع وديناميكية القوى العاملة.
كما يلعب الشباب دوراً في الدفع بالتغيير الثقافي والاجتماعي الذي يمكن أن يكون له تأثير اقتصادي، إذ تؤدي وجهات نظرهم وأفعالهم في كثير من الأحيان إلى تغييرات في سلوك المستهلكين، ممارسات الأعمال، وصنع السياسات. وهو ما حدث بالفعل بسبب النزوح الداخلي، إذ نقل الشباب الكثير من الثقافات المحلية وخاصة تلك المرتبطة بقطاع المطاعم إلى محافظات أخرى ونفس الحال بالنسبة للاجئين الذين هاجروا إلى خارج سوريا. فالشباب يمتلكون قدرة كبيرة على التكيف مع الظروف الاقتصادية المتغيرة والتعافي من الصدمات الاقتصادية. غالباً ما يكونون أكثر مرونة في اختيارات وظائفهم ويمكنهم الانتقال عبر القطاعات، مما يساعد في التكيف الاقتصادي.
ومن الناحية الديمغرافية فإن نسبة الشباب في شمال وشرق سوريا اليوم تعتبر نسبة متوسطة مقارنة بالدول الأخرى، فامتلاك عدد كبير من الشباب، يمكن أن يكون "المكسب الديموغرافي" الذي يعطي دفعة هامة للتنمية الاقتصادية. يحدث المكسب الديموغرافي عندما يكون عدد السكان في سن العمل أكبر من عدد السكان الذين لا يعملون، مما يؤدي إلى زيادة النشاط الاقتصادي الإنتاجي.
كما يمتلك الشباب غالباً شبكات اجتماعية واسعة، سواء كان ذلك عبر الإنترنت أو خارجه، والتي يمكن استغلالها للأنشطة الاقتصادية مثل التسويق، تطوير الأعمال، والتعاون الدولي. يمكن للشباب مساعدة الاقتصادات المحلية على الاندماج في السوق العالمية، مما يسهل التجارة والتبادل الثقافي، واليوم بوجود 5.5 مليون لاجئ يمكن أن يكون هذا رافعة مهمة للتبادل التجاري الخارجي في المستقبل إذا تحقق انتقال سياسي حقيقي، كما يمكن أن يؤدي النشاط الشبابي والمشاركة في العمليات السياسية إلى تغييرات في السياسات التي تدعم التنمية الاقتصادية، مثل إصلاحات التعليم، الاستثمار في التكنولوجيا، ودعم ريادة الأعمال.
دور الحكومة المحلية (الإدارة الذاتية)
يمكن أن تلعب الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا دوراً هاماً في تمكين الشباب اقتصادياً من خلال تطوير وتنفيذ سياسات لدعم دمجهم الاقتصادي، مثل خلق فرص عمل، توفير التدريب المهني، وضمان الوصول إلى التعليم. كما يمكنها تشجيع ريادة الأعمال بين الشباب من خلال توفير منح لبدء الأعمال، خدمات تطوير الأعمال، برامج الإرشاد، والوصول إلى التمويلات الصغير. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للإدارة الذاتية خلق فرص عمل مباشرة أو غير مباشرة وتنفيذ برامج لتطوير المهارات تتناسب مع احتياجات السوق المحلي، وتشجيع مشاركة الشباب في اتخاذ القرار والاستثمار في البنية التحتية الداعمة للأنشطة الاقتصادية والتعاون مع المؤسسات التعليمية والمنظمات غير الحكومية والدولية بما يعزز من قدرات الشباب ويساهم في تطور واستقرار المنطقة. ومن خلال الجلسات والاجتماعات الحوارية التي تم تنفيذها، تم تقديم مجموعة من الإجراءات والتوصيات من أجل تعزيز مشاركة الشباب في سوق العمل، والتي من خلالها يمكن للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا أن تسهم بشكل كبير في تمكين الشباب اقتصادياً، وهو أمر حاسم لتطوير المنطقة واستقرارها بشكل عام.
يمكن للإدارة الذاتية تطوير وتنفيذ سياسات مصممة خصيصاً لدعم الدمج الاقتصادي للشباب. يشمل ذلك خلق فرص عمل، توفير التدريب المهني، وضمان الوصول إلى التعليم.
يمكن أن يكون تشجيع ريادة الأعمال بين الشباب استراتيجية رئيسية. يمكن للإدارة الذاتية تسهيل ذلك من خلال توفير منح لبدء الأعمال، خدمات تطوير الأعمال، برامج الإرشاد، والوصول إلى التمويل الصغير.
يمكن للإدارة الذاتية خلق فرص عمل مباشرة من خلال التوظيف في القطاع العام أو بشكل غير مباشر من خلال توفير بيئة عمل آمنة ومقوننة وتشجيع القطاع الخاص على توظيف الشباب. يمكن أن يشمل ذلك إعفاءات ضريبية أو دعم مالي للشركات التي توظف الشباب.
تنفيذ برامج تطوير المهارات التي تتناسب مع احتياجات الاقتصاد المحلي أمر ضروري. يمكن أن يشمل ذلك التدريب المهني، برامج التلمذة الصناعية، والشراكات مع الشركات المحلية والمؤسسات التعليمية.
تشجيع مشاركة الشباب في عمليات اتخاذ القرار يضمن سماع أصواتهم ومعالجة احتياجاتهم. يمكن للإدارة الذاتية إنشاء مجالس شبابية أو منتديات لإشراك الشباب في الحكم.
الاستثمار في البنية التحتية التي تدعم الأنشطة الاقتصادية، مثل النقل، الاتصال بالإنترنت، والطاقة، يمكن أن يخلق بيئة مواتية لتوظيف الشباب وريادة الأعمال.
التعاون مع المؤسسات التعليمية المحلية لمواءمة مناهجها مع المهارات المطلوبة في سوق العمل يمكن أن يحسن من قابلية توظيف الشباب.
في الاقتصاد الحديث، تعتبر المهارات الرقمية مهمة بشكل متزايد. يمكن للحكومات المحلية تعزيز القراءة والكتابة الرقمية وضمان وصول الشباب إلى التكنولوجيا، خاصة في المناطق المحرومة.
يمكن للإدارة الذاتية التعاون مع المنظمات غير الحكومية والهيئات الدولية للاستفادة من الموارد الإضافية، الخبرة، والشبكات لدعم دمج الشباب اقتصادياً.
تنفيذ نظام لرصد وتقييم فعالية مبادرات دمج الشباب اقتصادياً هو أمر ضروري لضمان أن السياسات والبرامج تحقق النتائج المرجوة.
دور منظمات المجتمع المدني المحلية
يمكن للمنظمات غير الحكومية المحلية دعم الشباب اقتصادياً بتقديم برامج تدريب مهني وتطوير المهارات، ودعم ريادة الأعمال. والتواصل مع الشركات لتوفير فرص التدريب والتوظيف، والضغط من أجل تبني سياسات تدعم دمج الشباب في سوق العمل، كما يمكنها تفعيل دور الشباب في المجتمع وتمكينهم من التعبير عن مخاوفهم وطموحاتهم. تعتبر البحوث وجمع البيانات حول توظيف الشباب ومشاركتهم في سوق العمل جزءاً مهماً من دور المنظمات، إضافة إلى تيسير الشراكات بين مختلف أصحاب المصلحة لوضع نهج شامل لإدماج الشباب اقتصادياً، وغيرها من الأدوار، ومن خلال اللقاءات التي تم إجراؤها كان من الواضح أن فئة الشباب ترى أن المنظمات يمكن أن تسهم إسهاماً كبيراً في التمكين الاقتصادي للشباب ودمجهم في سوق العمل، وهو أمر أساسي للتنمية المستدامة والاستقرار وتم تقديم مجموعة من التوصيات ذات الصلة:
يمكن للمنظمات غير الحكومية تقديم برامج تدريب مهني وتطوير المهارات مصممة لتلبية احتياجات الشباب، يمكن أن تركز هذه البرامج على المجالات ذات الإمكانات العالية للتوظيف أو القطاعات الناشئة في الاقتصاد.
يمكن للمنظمات غير الحكومية دعم ريادة الأعمال الشبابية من خلال برامج الإرشاد، توفير الوصول إلى التمويل الصغير، وتقديم خدمات تطوير الأعمال. كما يمكنها تنظيم ورش عمل وندوات حول ريادة الأعمال ومهارات الأعمال.
يمكن للمنظمات غير الحكومية التعاون مع الشركات والصناعات المحلية لتوفير فرص التدريب الداخلي والتوظيف للشباب، مما يساعد على سد الفجوة بين التعليم والتوظيف، كما عليها تخفيف معايير التوظيف للأجيال الشابة بهدف إدماجهم في سوق العمل وإكسابهم الخبرة العملية.
يمكن للمنظمات غير الحكومية القيام بدور حاسم في الدعوة للسياسات التي تدعم الدمج الاقتصادي للشباب في سوق العمل. يمكن أن يشمل ذلك الضغط من أجل إصلاحات تعليمية، حوافز للشركات التي توظف الشباب، وغيرها من التدابير التشريعية الداعمة.
يمكن للمنظمات غير الحكومية التفاعل مع المجتمعات لزيادة الوعي بأهمية الدمج الاقتصادي للشباب في سوق العمل كما يمكنها تمكين الشباب من خلال توفير منصات لهم للتعبير عن مخاوفهم وطموحاتهم.
يمكن للمنظمات غير الحكومية إجراء البحوث وجمع البيانات حول توظيف الشباب ومشاركتهم الاقتصادية. يمكن أن تكون هذه البيانات حاسمة لإعلام القرارات السياسية وتكييف البرامج لتلبية الاحتياجات المحددة للمنطقة.
يمكن للمنظمات غير الحكومية أن تيسر الشراكات بين مختلف أصحاب المصلحة، بما في ذلك القطاع الخاص، والهيئات الحكومية، والمنظمات الدولية، لوضع نهج شامل لإدماج الشباب اقتصادياً.
يمكن أن يكون تشجيع ودعم تنظيم المشاريع الاجتماعية دوراً فريداً تلعبه المنظمات غير الحكومية. يتضمن ذلك مساعدة الشباب على بدء أعمال لا تدر الدخل فحسب، بل تعالج أيضاً القضايا الاجتماعية أو الثقافية أو البيئية.
في المناطق المتضررة من النزاع مثل شمال شرق سوريا، يمكن للمنظمات غير الحكومية توفير الصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي للشباب، وهو أمر بالغ الأهمية لرفاههم العام وقدرتهم على الانخراط في الأنشطة الاقتصادية.
يمكن للمنظمات غير الحكومية أن تساعد في بناء قدرات المنظمات التي يقودها الشباب، وتعزيز قدرتها على المساهمة في التنمية الاقتصادية لمجتمعاتها المحلية.
دور المانحين والمنظمات الدولية
تساهم المنظمات الدولية والجهات المانحة في تعزيز دمج الشباب في سوق العمل من خلال توفير التمويل وبناء قدرات المؤسسات المحلية ودعم السياسات. يشمل دورها تقديم الخبرة والمساعدة التقنية، دعم ريادة الأعمال والابتكار بين الشباب، وتعزيز البحث والشراكات، وغيرها من الأدوار التي تمكن المنظمات الدولية والجهات المانحة من المساهمة بشكل كبير في تمكين الشباب اقتصادياً ودمجهم في مناطق مثل شمال شرق سوريا، مما يعزز الاستقرار والنمو والتطور.
أحد الأدوار الأساسية للمنظمات الدولية والجهات المانحة هو توفير التمويل لبرامج الدمج الاقتصادي للشباب. يمكن أن يشمل ذلك المنح التعليمية، التدريب المهني، ومبادرات ريادة الأعمال.
المساعدة في بناء قدرات المؤسسات المحلية، المنظمات غير الحكومية، وهيئات الحكومة لتنفيذ وإدارة برامج الدمج الاقتصادي للشباب. يتضمن ذلك التدريب، توفير الموارد، ومشاركة أفضل الممارسات.
للمنظمات الدولية دور كبير في الدعوة لوضع سياسات تدعم الدمج الاقتصادي للشباب ومساعدتها. يمكنهم استخدام خبرتهم لتوجيه صياغة السياسات على المستويات المحلية والوطنية.
تقديم المساعدة التقنية والخبرة في مجالات مثل تصميم البرامج، الرصد والتقييم، والتدريب المحدد للقطاعات هو دور أساسي، ويضمن ذلك فعالية واستدامة البرامج.
يمكن لهذه المنظمات دعم وتمويل البرامج التي تعزز ريادة الأعمال والابتكار بين الشباب، وتوفير منصات للشباب الرياديين لعرض أفكارهم والوصول إلى التمويل.
إجراء ودعم البحوث حول توظيف الشباب ومشاركتهم الاقتصادية يمكن أن يوفر رؤى وبيانات قيمة لإعلام تصميم السياسات والبرامج.
في المناطق المتأثرة بالنزاعات مثل شمال شرق سوريا، يمكن لهذه المنظمات توفير دعم الطوارئ والاستجابة للأزمات، والتعامل مع الاحتياجات الفورية مثل خلق فرص عمل، دعم سبل العيش، والمساعدة النفسية والاجتماعية للشباب.
تعزيز المساواة بين الجنسين والشمولية والتأكد من أن برامج الدمج الاقتصادي تشمل الجميع وتلبي احتياجات جميع الشباب، بما في ذلك النساء والمجموعات المهمشة. يشمل ذلك الدعوة لوضع برامج شمولية وحساسة للنوع الاجتماعي.
يمكن للمنظمات الدولية والجهات المانحة المساعدة في ضمان استدامة جهود الدمج الاقتصادي للشباب من خلال دعم خطط واستراتيجيات التطوير طويلة الأمد.
في الختام، تبرز أهمية دور الشباب في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً في مناطق معقدة وحساسة مثل شمال شرق سوريا. الشباب، بكل طاقتهم وابتكاراتهم ورؤاهم الفريدة، يشكلون حجر الزاوية في صنع مستقبل أكثر إشراقاً واستدامة. من خلال دعمهم بالتعليم الجيد، التدريب المهني، وفرص ريادة الأعمال، يمكننا فتح آفاق جديدة لهم ولمجتمعاتهم.
الدور الذي تلعبه الحكومات المحلية، المنظمات غير الحكومية، والمنظمات الدولية والجهات المانحة، لا يقتصر فقط على توفير الدعم المادي والتقني، بل يمتد ليشمل بناء قدرات الشباب وتمكينهم ليكونوا قادة التغيير في مجتمعاتهم. يجب على هذه الجهات العمل سوياً لتحقيق تكامل في السياسات والبرامج التي تضمن تحقيق الفائدة القصوى للشباب والمجتمع ككل.
التحديات متعددة ومعقدة، لكن بالتزامنا وإيماننا بقدرات الشباب، يمكننا تجاوز هذه التحديات وبناء مستقبل ينعم بالازدهار والسلام والتقدم.
الشكر والتقدير: نتوجه بجزيل الشكر إلى جميع من ساهم في إعداد هذه الدراسة ممن تم استهدافهم من أجل إجراء المقابلات وتقديمهم معلومات وتوصيات مهمة ساهمت في تطوير هذه
الورقة.
المراجع
- عدد سكان سوريا وأماكن توزعهم.
- الهرم السكاني للعالم من ١٩٥٠ – ٢١٠٠
- السكان في سوريا.
- موقع الداتا في الأمم المتحدة.
- المكتب المركزي للإحصاء
- Data Commons
- الشباب (الامم المتحدة)
Comments