ما هو الجديد؟
سلسلةٌ من المظاهرات التي بدأت في شرقي كردستان (روجهلات) في 14 أيلول/سبتمبر 2022 عقبَ مقتل الشابّة الكردية جينا أميني(٢٢عاماً ) بعد تعرضها للضرب المبرح أثناء احتجازها واعتقالها من قِبل مايُعرف شرطة الأخلاق التابعة للحكومة الإيرانيّة، وذلك بزعم عدم ارتدائها للحجاب على «الطريقة الإسلاميّة الصحيحة».
فارقت چينا الحياة بعد يومينِ من الاعتقال وذلك بعدما تعرَّضت لموت دماغي ناجمٍ عن إصابات في الجمجمة تعرَّضت لها خلالَ اعتقالها بحسبِ مصادر محليّة، بعد ساعات من وفاتها اجتمع العشرات في الطرقات المحيطة بمشفى كسرى في العاصمة طهران حيثُ رددوا هتافات من قبيلِ «الموت للديكتاتور، وشرطة الأخلاق قاتلة ، وإيران ستتحرَّر، وخامنئي قاتل وحكومته باطلة...الخ
انتشرت قصّة أميني وصارت قضيّة رأي عام، رافقتها احتجاجاتٌ كبيرةٌ في أجزاء مختلفة من إيران في يوم جنازتها،
وفي يوم الإثنين الموافق في التاسع عشر من أيلول/سبتمبر أعلنت عددٌ من الأحزاب الكردستانية الإيرانية ونشطاء مدنيون وسياسيون إضرابًا عامًا احتجاجًا على ما حصلَ لـ چينا وللقمعِ الذي طال المتظاهرين في مناطق مختلفة.
ديواندره بانه وبيجار الواقِعة كلّها في شرقي كردستان، قبلَ أن تتوسَّع لتشملَ أغلب المدن الإيرانيّة بما في ذلك العاصِمة طهران ومدينة مشهد وأصفهان وكرمانوشيراز وتبريز ورشت وساري وكرج وأراك ، ومدينةِ عيلام والعديد من المدن الأخرى، واليوم أًصبحنا نتحدث عن ثورة يشارك فيها كل الشعوب الإيرانية.
السياق التاريخي.
هذه ليست المرة الأولى التي تنطلق فيها حركة من الاحتجاجات في أيران حيث شهدت إيران اربعة عشر حركة احتجاجية منذ العام ١٩٩٩، قوبلت جميعها بقمع وحشي من قبل الأجهزة الأمنية كما هي الحال الآن ، ولكن من خلال مراقبة ما يجري اليوم يمكننا القول بأنَّ حركات الاحتجاج الحالية تختلف إلى حدٍ ما عن سابقاتها، ولعل أهم نقطتين يمكن ملاحظتهما في هذا السياق هما:
الأولى: معظم شعارات الاحتجاجات السابقة كانت مطلبية مثل تحسين الأوضاع الاقتصادية كما حدث في ديسمبر 2017،أو المطالبة بإلغاء نتائج الانتخابات كما حدث عند انتخاب محمود احمدي نجاد في يونيو ٢٠٠٩ وغيرها ، أما حركة الاحتجاجات الحالية فشعاراتها تطالب بعملية تحول سياسية شاملة وإطلاق الحريات وإنهاء النظام الأمني و إسقاط الدكتاتورية ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، أي بمعنى أخر هذا الحركة جمعت مطالب الحركات السابقة جميعها وهي نتاج تراكم لجميع الحركات الاحتجاجية السابقة
ثانياً: من خلال مراجعة خريطة حركة الاحتجاجات السابقة نجد أن حركة الاحتجاجات الحالية هي الأكبر في إيران منذ عام 2019 و شارك فيها أكثر من ٥٠ مدينة من مختلف الشعوب الإيرانية (الكرد، والفرس، والعرب، والبلوش، والأذربيين ..الخ).
كما تعكس الخريطة صراعاً سياسياُ بين جيلين الأول رسخ نظام حكم ديني مستبد ممثل في ولاية الفقيه، والأخر جيل لديه فهم مختلف لنظام الدولة والحقوق الحريات العامة.
ما هو السيناريو المرجح؟
بالنظر الى حجم القمع الذي تمارسه الأجهزة الأمنية الايرانية ورغبة الشعب الإيراني في وضع حد للقمع ومحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الانسان نجد أن استخدام العنف والعنف المضاد والمبرّر سيكون سيد الموقف في المرحلة المقبلة إذا ما استمرت الحكومة الإيرانية في سلوكها القمعي وهو السيناريو المرجح، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى انحراف الاحتجاجات عن مسارها الى كفاح مسلح بسبب توفر عاملين الأول مرتبط بالسلوك العنيف والقمعي للسلطة والثاني وجود أحزاب تتخذ من الكفاح المسلح وسيلة لنيل حقوقها، ومن بين هذه الأحزاب ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني في إيران والذي تأسس عام 1945. حزب كومالا الإيراني الكوردستاني الذي تأسس في 1969 كذلك حزب الحياة الحرة الكوردستانية ذات التحالف الوثيق مع حزب العمال الكوردستاني. الجبهة الوطنية، المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية حركة مجاهدي خلق، حزب توده الإيراني، اليسار الاشتراكي، التحالف الديمقراطي الاذربيجاني، حزب التضامن الديمقراطي الاحوازي.
وبالنظر الى تركيبة الشعب الإيراني وطبيعتها الجغرافية فأن أي تحول الى الكفاح المسلح قد يؤدي في نهاية المطاف الى صراعات داخلية والى انشطار الصراع الى مناطق نفوذ بناءً على الإنتماء الديني والقومي، وخاصة إذا ما شهدت إيران تدخلات إقليمية، فالنظام الحاكم في طهران بارع جدا في كسب الأعداء والتدخل في شؤون الدول الإقليمية.
وفي شرق أوسط يشهد حالة صخب سياسي ونزاع مسلح وازمات اقتصادية يمكن القول أننا على أبواب انفجار أمني هائل، سوف يعيد تعقيد ما هو معقد ، ويعزز من احتمالية حدوث هذا الانفجار الأمني هي حالة عدم الاستقرار في الشؤون الدولية بسبب جائحة COVID-19والانقسام المستمر للنظام الدولي وحرب روسيا على أوكرانيا، والازمة في تايوان، وأزمة السلاح النووي الكوري وأخيرا الركود الاقتصادي التي تعانيه كُبرى الاقتصادات العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمة أكبر اقتصاد في العالم.
الجيوسياسية.
للجغرافية أحكامها في تحديد مصائر الشعوب، وبالعودة الى علاقة ايران بجيرانها نجد أن غالبيتهم يجدون في ايران ضعيفة مصلحة كبرى، ولكن في نفس الوقت التدخل في الشؤون الإيرانية ليس بالأمر السهل الذي تستطع أي دولة الاقدام عليه وستكون بحاجة الى حسابات معقدة وكثيرة.
وإذا ما أمعنّا النظر على خريطة الدول الإقليمية المحيطة بإيران سوف نجد أن أفغانستان التي كانت تشكل إيران أرضاً خصبة لغزوات قبائلها في وضع لا يسمح لها في التدخل بشؤون ايران سبب وجود نظام حكم منبوذ على الساحة الدولية ، أما أذربيجان فهي حليفة لروسيا وفي حالة صراع مستمرة مع ارمينية، وبالنسبة لدول الخليج فهي ورغم الصراع المذهبي مع ايران و تدخلات ايران في شؤون دولها الا انها لن تقدم على أي تدخل بدون غطاء غربي، والعراق غير قادرة على التدخل في شؤون دولة مثل ايران وخاصة أن مليشيات ايران في العراق هي فوق مؤسسات الدولة، تركيا لن تعيد الكرة مرة أخرى وتتدخل في الاحتجاجات الإيرانية لصالح المحتجين كما حدث في سوريا خوفً من أن يؤدي ذلك الى إضعاف نظام الحكم مما يسهم في توسع النفوذ الكردي في ايران وتجد نفسها محاطة بثلاث أجزاء من كردستان خارج سيطرة الدولة المركزية ، إسرائيل من المرجح أن تنتهج نفس السياسة في سوريا من خلال عدم التدخل المباشر والاكتفاء بتوجيه ضربات محددة لشل قدرات إيرانية العسكرية وخاصة النووية منها.
وعلى الساحة الدولية نجد أن روسيا حليفة ايران وشريكتها في مجموعة الآستانة ستكون من الخاسرين اذا ما ضعفت ايران ليس بسبب متن العلاقات بينهما انما وفق القاعدة التي تقول عدو عدوي صديق، وهنا نقصد الولايات المتحدة الامريكية، اما الصين فسيكون اهتزاز الاستقرار في ايران ضربة قوية لمشروعها طريق الحرير حيث تمثل الصين الشريك التجاري الأول بالنسبة لإيران، حيث وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 45 مليار دولار سنوياً، وترى إيران في طريق الحرير فرصة لحل كثير من مشاكلها، فهي تسعى أن تكون ممرًّا دوليًّا رئيسيًّا في هذا الطريق، طمعاً في الالتفاف على فرض عقوبات اقتصادية عليها، وستعزِّز من نفوذها الإقليمي سياسيًّا.
وفي ظل ازمة الطاقة التي تجتاح الغرب وخاصة الدول الأوروبية فإن تطور الأوضاع في ايران سيشكل عبئاً اضافياً على جهودها في إيجاد حلول لأزمة الطاقة، ناهيك عن تشتيت جهودها في التصدي للازمات الدولية الأخرى وعلى رأسها الحرب الروسية على أوكرانيا، ومن شأن صراع جديد بهذا الحجم ان يزيد من الانقسام اكثر في المجتمع الدولي هذه الأسباب قد تفسر ضعف موقفها من الانتهاكات التي تمارسها الأجهزة الأمنية الإيرانية بحق المحتجين.
ما هو المطلوب؟
لا بدَّ من تجميد مفاوضات الملف النووي الإيراني حيث من شأن استمرار هذه المفاوضات ان تؤدي الى الإفراج عن أموال ضخمة للجمهورية الإسلامية ، مما سيزيد من القدرة القمعية لحكومة طهران.
يجب على الدول الغربية وغيرها من الحكومات في جميع أنحاء العالم ممارسة المزيد من الضغط الدبلوماسي على الحكومة الإيرانية وعليها فرض المزيد من العقوبات ليس فقط على مرتكبي انتهاكات حقوق الانسان، بل على الحكومة الإيرانية وحرمانها من الوصول الى أي أموال او أدوات قد تستخدم في قمع المتظاهرين.
يجب اتخاذ وتفعيل المزيد من الإجراءات في الأمم المتحدة وإنشاء آلية مستقلة للتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان التي تمارسها الأجهزة الأمنية الإيرانية، كما يجب عقد جلسات طارئة في مجلس الأمن لاتخاذ مواقف تدين وتطالب ايران لوقف هذه الانتهاكات.
الخاتمة لديَّ اعتقادٌ راسخ أن إيران و غيرها من الأنظمة القمعية سوف تتفكك في نهاية المطاف عاجلاً أم آجلاً ليس بسبب تدخلات خارجية، بل بسبب عوامل داخلية تتمثل في طبيعة هذا الأنظمة التي سلبت شعوبها أبسط حقوقهم وحرياتهم في عالمٍ لم يعد يتسع لقمع الحريّات.
Comments