المقدمة:
منذ بدأ العملية العسكرية المسماة "نبع السلام" التي شنها الجيش التركي برفقة الفصائل المنضوية تحت الجيش الوطني السوري "المعارض" في التاسع من شهر أكتوبر من العام 2019 و التي هدفت لإنشاء "منطقة آمنة" ممتدة بين مدينتي رأس العين -سرى كانيه وتل أبيض -كرى سبي وبعمق ثلاثين كيلومتراً على الحدود السورية التركية من أجل طرد قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل الوحدات الكردية عمودها الفقري من الحدود التركية السورية لاعتبارها قوى "إرهابية " و تشكل خطراً على أمنها القومي حسب مزاعم أنقرة.
وقد استطاعت السيطرة على مدينة رأس العين – سرى كانيه في العشرين من أكتوبر بعد الاتفاق الأمريكي – التركي الذي قضى بانسحاب المقاتلين الأكراد من المدينة و تمت السيطرة عليها، كانت من نتائجه المباشرة تهجير قسري و نزوح آلاف المدنيين جراء العملية العسكرية تبعات و آثار هذا الاحتلال لم تتوقف على أبعادها الإنسانية والحقوقية فقط بل كان لها تأثيرات اقتصادية جمة حيث استولت الفصائل المتطرفة بمختلف مسمياتها المشكلة لما يسمى " الجيش الوطني "على ملايين الدولارات من أعمال الاستيلاء و النهب و السرقة للممتلكات العامة والخاصة والأدوات والمرافق ومحتويات منازل المدنيين بالإضافة إلى الاستيلاء على الثروة الزراعية في المنطقة من حيث المساحات الزراعية الشاسعة والأدوات و المرافق الزراعية من الحبوب و السماد و الجرارات و الحصادات وغيرها, وإلى الآن لا توجد إحصائية دقيقة تصف حجم الخسائر الكبيرة التي تكبدها أهالي المدينة ولكنها تقدر بملايين من الدولارات.
خلفية عن راس العين -سرى كانيه:
مدينة رأس العين \ سري كانيه مدينة تاريخية يعود تاريخها إلى الألاف السنين قبل الميلاد، وتقع في شمال غرب محافظة الحسكة على الحدود التركية السورية، التي يعبر منها نهر الخابور إلى الأراضي السورية وتتميز المدينة بموقع استراتيجي حيث تبعد مسافة 85 كم عن مدينة الحسكة و90 كم عن مدينة القامشلي بمساحة أجمالية تبلغ 23 ألف كم² ،لا يوجد إحصاءات رسمية حديثة ولكن حسب الإحصاء السكاني لعام 2004 بلغ تعداد سكان المنطقة 177,150 نسمة، وتشكل فسيفساء سكانية متنوعة وهي ذات غالبية كوردية يقطنها خليط من الكورد والعرب والسريان والارمن والشيشان والماردلية.
التأثيرات الاقتصادية:
بعد العام 2014 ومنذ إخراج الجيش الحر وداعش من المدينة شرع أبناؤها في إعادة إحيائها من جديد وبدأت الحركة الاقتصادية بالدوران مرة أخرى في جميع القطاعات والتي بلغت ذروتها في العام 2019 مصحوبةً بتغيرات مناخية ساهمت في زيادة الامطار الموسمية التي أدت بدورها الى إنعاش الزراعة الأمر الذي انعكس إيجاباً في إنعاش قطاع التجارة والصناعة بالإضافة الى قطاع العقارات حيث بلغ عدد المشاريع الصناعية المسجلة لدى غرفة الصناعة في سري كانيه/ رأس العين 650 مشروعاً وذلك وفقاً لتحقيق أجرته وكالة نورث بريس بعنوان حرب اقتصادية وراء التهديدات التركية المستمرة باجتياح سري كانيه إلا أنه لا توجد إحصاءات رسمية عن حجم الخسائر الاقتصادية ولكن تقدر بملايين الدولارات ويبدو أن الجماعات المسلحة تستخدم الموارد المحلية كنوع من أنواع تدوير رأس المال لتمويل الة الحرب من خلال احتلال مدن وبلدات وسرقة ممتلكات وأموال المدنيين وتصريفها في تركيا كما حدث في جرابلس وعفرين وتل ابيض وبقية المناطق التي تحتلها تركيا.
قطاع الزراعة:
تعتبر محافظة الحسكة السلة الغذائية لسوريا وتشتهر رأس العين- سري كانيه بأنها مدينة زراعية ، تمتاز بأراضيها الواسعة والخصبة ووفرة مياهها وهو ما جعل مواسمها غنية جداً، وقبيل الغزو التركي للمدينة كان 70% من أهالي المدنية قد جهزوا آلياتهم الزراعية والبذار والأسمدة للبدء بزراعة أراضيهم، أي أنهم كانوا في مرحلة التحضير، ولكن عمليّة "نبع السلام" أجبرتهم على أن يتركوا كل شيء على حاله والنزوح بثيابهم فقط, وبذلك استولت فصائل المعارضة السوريّة المسلّحة وبحماية تركيا على أكثر من /5/ ملايين دونم من الأراضي الزراعيّة العائدة ملكيتها لأهالي المنطقة بعد أن تم تهجيرهم قسراً، كذلك نهبت تلك الفصائل المسلّحة صوامع القمح وحقول القطن ونقل محتوياتها إلى تركيا، الأمر الذي بدوره أدى إلى تكبد الأهالي خسائر فادحة أو بالأحرى خسروا كل شيء كانوا يملكونه من أراضي وآلات زراعية إلى محال ومنازل .
يقول المهندس الزراعي " آلان وانكي " « مدينة رأس العين/سري كانيه وريفها كانت نسبة الزراعة فيها تشكل ما يقارب 35% من العائدات الزراعية لكامل محافظة الحسكة, والأهم من ذلك هنالك بعض أنواع البذار الزراعية موجودة حصراً في رأس العين/سري كانيه وريفها، وحتى القمح هنالك ذو جودة عالية مقارنة بباقي المناطق في الجزيرة السورية, ويعزا ذلك لاختلاف طبيعة التربة والمياه للمدينة, وهذا بالتأكيد يؤثر على جودة المواد الزراعية بشكل عام في سوريا، وهنا تكمن الفارق وحل هذه المشكلة يجب على الإدارة الذاتية والفصائل المسلّحة تبادل تلك المواد فيما بينهم، ولكن هذا التبادل يبدو صعب الحصول».
أملاك العامة:
تبلغ مساحات الأراضي الزراعية في رأس العين وريفها التي سيطرت عليها الفصائل الجيش الوطني وحليفتها تركيا حوالي 1126766 دونماً ما يقدر 112676.6 هكتاراً وهي تنقسم بين أراضِ مروية وأراضِ بعلية تعتمد على الأمطار في زراعتها، إذ تبلغ المساحات الزراعية بحوالي 203491 دونماً مروياً و 923275 دونماً بعلياً ، بالإضافة الى الأراضي الزراعية التي كانت تعود ملكيتها لـ (الشركة السورية الليبية للاستثمارات الصناعية والزراعية) والتي تبلغ مساحتها 187 ألف دونم فضلاً عن الأراضي العامة التي تسمى (مزارع الدولة) البالغة مساحتها 35 ألف هكتار حيث تستولي عليها الفصائل المسلحة وتقوم بتسويق إنتاجها الزراعي إلى تركيا، هذه الأراضي كانت مديرية الزراعة التابعة للإدارة الذاتية تقوم باستثمرها من خلال زراعتها بمحاصيل بعليّة (القمح والشعير) قبيل العملية العسكرية التركية.
الأملاك الخاصة:
كما قامت الفصائل المسلحة إلى نهب آلاف الهكتارات من المساحات العائدة ملكيتها لمدنيين مهجّرين قسراً، واستثمارها وزراعتها أيضاً وذلك بحجة انتمائهم ل(قسد)، وعائدات انتاج هذه المحاصيل كلها سوف تذهب إلى صندوق رواتب المقاتلين ضمن صفوف تلك الفصائل المسلّحة، حيث ازدادت وتيرة هذا النوع من الممارسات بحق السكان في الشهرين المنصرمين وذلك في ريفي مدينة رأس العين/سري كانيه الغربي والشرقي حيث قامت أحد الفصائل التي تعرف باسم (السلطان مراد) إلى زراعة عشرات الهكتارات من الأراضي الزراعية التي تعود ملكيتها للمدنيين المهجرين قسراً في كل من قرى بئر نوح, المجيبرة، القاطوف, تل ذيب, تل بيدر, والمبروكة.
كذلك فرض هذا الفصيل على كل مزارع في القرى، 8 أكياس من المحصول سواء كان قمحاً أو شعيراً، كأتاوى للسماح لهم بالحصاد، حيث يقول أ. ج وهو أحد سكان قرية بئر نوح /7 كم/ جنوب رأس العين/سري كانيه«ندير مشروعاً زراعياً منذ /25 عاماً / وتبلغ مساحة الأرض 1500 دونم أي ما يعادل 150 هكتاراً، ومنذ احتلال المدنية نزحنا قسراً وحالنا كحال بقية السكان ومن خلال تواصلي مع أحد فلاحينا الذي ظلَّ بالقرب من المشروع، اتضح أن فصيل (السلطان مراد) قد قاموا بزراعة كامل مساحة الأرض لهم، منها 100 هكتاراً بالقمح و20 هكتاراً بالشعير، بالإضافة إلى الاستيلاء على الآلات الزراعية وباقي المواد والأسمدة التي بقيت في المشروع»
أطنان من المحاصيل المسروقة ...؟
تشير الأرقام و الإحصاءات الأولية أن فصائل المعارضة المسلحة الموالية لتركيا قد استولت قسراً على أطنان من المحاصيل الزراعية في رأس العين – سرى كانيه و ريفها سواء المحاصيل التي عمدت إلى جنيها من أراضي المدنيين الذين هجرتهم قسراً أو تلك التي سرقتها من المستودعات وصوامع الحبوب وتنوعت المحاصيل المسروقة إذ استولت هذه الفصائل على 24 ألف طن من القمح , 1.5 ألف طن من بذار القمح المعقمة ,12 ألف طن من الشعير , 2.4 ألف طن من القطن في صوامع السفح , 2.5 ألف طن من مادة السماد العضوي إضافة إلى عمليات السرقة التي تعرضت لها صوامع الموجودة في كل من قرى "السفح , العالية و المبروكة" والتي لا توجد أرقام تشير إلى حجم السرقات التي تعرضت لها إلا أنها تقدر بآلاف الأطنان من الحبوب و البذار على مختلف أصنافها
البحث عن حلول:
لم يتوقع أهالي مدينة رأس العين\سري كانيه وقراها أنهم سوف يهربون بثيابهم فقط فآمالهم كانت كبيرة أن يقوم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بحمايتهم من الغزو التركي ,، فحدث كل شيء بشكل سريع حيث لم يتسنى لهم قطف ثمار الجهود التي بذلوها في زراعة أراضيهم لذلك لجوء إلى حلول بديلة أملاً في تدارك الكارثة بعد أن تم تهجيرهم قسراً فلجئ البعض منهم الى التواصل مع جيرانهم من المكون العربي عن طريق الأنترنت، من أجل أن يقوموا بزراعة أراضيهم نيابة عنهم مقابل نسبة مخصصة لهم، وهذا كله غير مضمون إذا ما كان سيتم تسليم انتاج المحاصيل لأصحاب الأراضي الأصليين أم لا". والبعض الاخر قرر المغامرة والعودة الى المدنية ولكن غالبيتهم تعرضوا للمنع من العودة أو الاعتقال.
بحسب النشطاء، فإن "فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا نهبت بيوت المدنيّين في سري كانيه وتلّ أبيض، وصوامع القمح، واستولت على منازلهم التي سكنتها عوائلهم ونازحون من حلب وإدلب والغوطة وحمص ضمن عملية تغيير ديموغرافي ممنهج من قبل الحكومة التركية كما حدث في عفرين، وسرقت حقول القطن فيها، وخسر المزارعون مواسمهم وأملاكهم وبيوتهم الذين اضطروا إلى النزوح لمخيّمات تفتقر إلى أبسط مقوّمات الحياة
نقل الى تركيا:
المحاصيل التي تم الاستيلاء عليها من مراكز الحبوب المنتشرة تم نقلها الى تركيا عبر المعبر الحدودي في راس العين\سري كانيه، وتم جني بقية المحاصيل عن طريق حصادات من تركيا، حيث دخلت من تركيا عبر معبر مدينة " تلّ أبيض" إلى مدينة " رأس العين " وريفها، وقامت بحصاد كافة المحاصيل تقريباً في المنطقة، بعد منع تركيا وجماعات المعارضة المسلّحة دخول حصادات زراعية لجني المحصول من خارج مناطق سيطرتها كما وجد المزارعون العرب هنالك أنفسهم مُجْبَرين على بيعِهِ بسعر التكلفة، بعد حسم أجور الزراعة والحصاد والنقل، فلا منفذ أمامهم سوى السوق التركي عبر معبر “تلّ أبيض” الذي تسيطر عليه «الجبهة الشاميّة» التي «ستتولى مهمة الشراء بسعر 60 دولار أميركي للطن الواحد ثم بيعه فيما بعد لتجارٍ في الجانب التركي بسعر 100 دولار للطن الواحد»، بحسب العديد من الشهادات التي أدلى بها مزارعون من ريف “سري كانيه” لمجلة شار
الاستنتاجات
تركيا والفصائل الموالية لها لم تحترم نصوص الاتفاق التي تم توقيعها مع الولايات المتحدة والتي تشير بشكل واضح الى ضرورة حماية أملاك المدنيين وهو الشئ الذي لم تلتزم به تركيا.
ان تبادل مناطق النفوذ والسيطرة أصبح شكل من أشكال تدوير رأس المال الحربي بالنسبة للأطراف حيث يتم أستخدم هذه الأموال التي يتم سرقتها لتمويل انتهاكات حقوق الانسان وجرائم الحرب التي تقوم بها فصائل الجيش الوطني الموالية لتركيا سرقة المحاصيل الزراعية ونقلها الى تركيا سوف يخلق أزمة أمن غذائي كبيرة في سوريا وخاصة فيما يتعلق بالقمح والشعير المستخدم في انتاج الطحين والخبز، وخاصة بعد انتشار جائحة كوفيد ١٩. فالشعب السوري الذي يعيش الحرب منذ السنوات هو أولى بهذه المحاصيل.
من خلال التوثيقات يبدو واضحاً ان عمليات الاستيلاء والسرقة ووضع اليد على الأراضي تتم بشكل ممنهج قائم على أساس التمييز القومي والديني مستهدفة المكون الكوردي بشكل أسياسي والمكونات الدينية مثل الايزيدين والمسيحيين على غرار ما حدث في عفرين الهدف منها احداث تغيير ديمغرافي كبير.
التوصيات
على الولايات المتحدة أعادة تقيم اتفاقها مع الحكومة التركيا والتأكد من مدى التزام تركيا ببنود الاتفاق وعليها الالتزام بتعهداتها تجاه شمال شرق سوريا.
على الأمم المتحدة ممثلة بمجلس الامن التدخل وإيقاف هذه الانتهاكات وعمليات التغيير الديموغرافي وانهاء الاحتلال التركي لجميع الأراضي السوريا.
يجب ملاحق جميع مرتكبي انتهاكات حقوق الانسان قضائيا ويجب على تركيا تعويض المتضررين من جراء عملياتها وإعادة ما سرقتها من محاصيل الى أصحابها.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى التواصل مع تفن من خلال البريد الالكتروني. Info@tevnakurdi.org
Commenti